أبو الشعر: إشكالية الإبداع والبحث العلمي والصحافة..فنية

الرئيسية > المركز الاعلامي > الأخبار > أبو الشعر: إشكالية الإبداع والبحث العلمي والصحافة..فنية
Printer Friendly, PDF & Email

حوار- إبراهيم السواعير- هند أبو الشعر مؤرخة وأديبة وفنانة تشكيلية وتكتب المقالة الصحافية. وبالتجاوز عن مؤلفاتها في التأريخ، وهي غنيّة وكثيرة، ومنجزاتها القصصية، وأستاذيتها في التاريخ في جامعة آل البيت؛ فإنّ أبو الشعر هي أول رئيسة لقسم التاريخ في الجامعات الأردنية وأول عميدة لكلية الآداب والعلوم في جامعة آل البيت وأول عميدة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وأول مديرة لمكتبة الجامعة الأردنية.
انتهت أبو الشعر مؤخراً من دراساتها في قصبات وقرى الأردن منذ أواخر العهد العثماني وحتى نهاية عهد إمارة شرق الأردن، وبحوثها في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في دمشق في العصر المملوكي الأخير (مذكرات ابن طوق) أواخر القرن التاسع عشر، وكتاب المرأة العربية في القرن التاسع عشر: مبدعةً، مفكّرةً، وكاتبة،(أمانة عمان الكبرى).
وهي ذات نشاط ملحوظ في الندوات والأمسيات الأدبية، وتهتم بالتحليل وملاحقة الفكرة التي (تلمع) في دماغها، من مثل اشتغالها اللافت حديثاً على (صورة التجارة والتجار في قصص ألف ليلة وليلة).
حول مواضيع شتى في الصحافة والأدب والإدارة وروح الكاتبة المتوقّدة.. كان هذا الحوار:

 

  ربما كنتِ من أكثر الأدباء الأردنيين تعدداً في التعامل مع الأشكال الأدبية والفنية، فأنت كاتبة قصة قصيرة وشاعرة وفنانة تشكيلية وصحفية ومؤرخة، هل تنساقين وراء حالة وتفضلينها على غيرها؟!..وكيف تتعاملين مع هذه التعددية؟
أنا لا أتوقف عادة عند هذه الحالة التي أعيشها وأتعايش معها، لقد اعتدت على أنني كل هذه الحالات، وتعودت أن أحب كل حالة وأجعلها جزءاً من كياني ويومياتي، وأظن أن الفنون يفضي الواحد منها إلى الأخر، في حين أن الحالة الأكاديمية مختلفة تماما، و أنكر أنني واجهت صعوبة حقيقية أول الأمر بين أن أكون مبدعة أو أكاديمية، أو أن أكون مبدعة وأكاديمية في آن ، لكنني الآن أجد في هذه التعددية مزيجاً من الروح والعقل والوجدان، وقد تيقنت بعد هذه التجربة أن النفس البشرية عجيبة ومتشعبة في الزمان والمكان بلا حدود، وبت أصدق بأن الشخصيات الموسوعية ممكنة في عصور نهضة الأمم لأن النفس البشرية أشبه بمحيط لا نهاية له، ونحن لا نعرف أنفسنا ولا نستخدم طاقاتنا المخبوءة في الأعماق، أنا الآن أعرف نفسي بكل حالاتها ولا أنكر أيا منها، أعطيها من وريدي ونبض قلبي ولا أتنكر لها، ولهذا تصبح حميمية وحية وتتناغم مع الكل، وبالطبع فإنني لا أنكر أيضا بأنني أنساق زمنا وراء شكل بعينه، يستوعبني ويختطفني ويحاول أن يحتويني ويستأثر بي ، لكنني في اللاشعور أكره العبودية وأعشق الحرية، أرفض استعباد أي شكل فني لي .. وأحس بأنني أنجح عادة في توزيع روحي وعقلي ووجداني في كل ما أنجزه .. ليصبح أنا، السر هي الروح التي تمسك بزمام كل الخيوط وتجمعها في نسيج واحد، وأزعم أنني طوعت هذه الأشكال وأعطيتها نبضي الخاص ، لهذا تجدني لا أخاف من هذه التعددية التي خدمتني في كل المواقع الإدارية التي عملت بها ...إنها قوة تحصن النفس وتجعلها عصية على الانكسار.
 هل شكلت لديك هذه التعددية لغة خاصة؟ وكيف توفقين بين لغة الإبداع ولغة البحث العلمي ولغة الصحافة ..؟
نعم!.. هذه إشكالية فنية لا يصادفها إلا من تورط مثلي في ممارسة كل هذه الحالات، لكن الدربة والجهد المتتابع يشكلان للمرء لغة خطاب تتنوع بتنوع حالاته ، أنا في بداياتي كتبت الشعر، بلغته الجميلة الموحية ودربت نفسي منذ زمن مبكر على لغة الإبداع ، ووجدت أن الصحافة تحتاج إلى لغة أخرى تمزج روح المبدع مع خطابه المباشر عبر الصحافة، وهذه لعبة يتقنها المبدع الذي تغلـّب على لغة الاحتراف الصحفي التقليدي وطوّع ذوق القارئ وجعله يعتاد على لغة جميلة ابتدعتها أقلام كتاب القصة والشعراء الذين احترفوا كتابة المقالة، وأسأل هنا ما المانع من أن نمتع القارئ ونجعله يحب المقالة ويعشق اللغة الجديدة ...؟ لماذا يجب أن يقرأ مقالة جافة تقول الفكرة ولا تمتع القارئ وتترك في روحه نبضاً خاصاً ..؟ ومع ذلك فإن ما أكتبه للصحافة من مقالات يحمل احتراف الصحفي وروح المبدعة، في حين أن لغتي الأكاديمية مختلفة، صحيح أنها لغة العلم والتفكير، لكن من يقرأ ما أكتبه في التاريخ يحس بأن وراء هذا البحث العلمي الذي يستخدم الإحصاء والرقم والتحليل العلمي روح أديبة أيضاً .. إذاً، احتاج الأمر مني إلى زمن من الصقل والتجريب.. تعبت على لغتي حتى نحت ُ لنفسي لغة للقصة القصيرة وأخرى للمقالة الصحفية وثالثة للدراسة التاريخية ولا أنسى لغة الدراسات التاريخية المنشورة في الصحافة، هذه أيضاً ليست مقالة وليست بحثاً تاريخياً في مجلة محكمة.. إنها حالة أخرى تخاطب كل القراء من خلال صحيفة وتقدم مادة توثيقية، وهذا يعني خطاباً آخر وحالة أخرى ... ومع كل هذا فأنا أحب كل هذه التجارب التي تعبت عليها، وغذيتها من وريدي ..إنها أنا في كل حالاتي.
 لك خطك المعيّن في كتابة التاريخ وقد فتحت أبواب دراسة تاريخ الأردن باستخدام سجلات محلية، وُصفت بأنها غير مسبوقة، ما هي فلسفتك في كتابة تاريخ الوطن ..؟ هل اختلفت عن دراساتك السابقة في التاريخ ...؟
ربما كان هذا السؤال مشروعاً في هذا الزمن، فقد بدأنا في الأردن منذ مطلع التسعينيات من القرن العشرين بالتوجه نحو المصادر المحلية لدراسة تاريخ الأردن بعد أن كان التوجه الغالب من قبل استشارة الوثائق البريطانية والغربية عموماً، ومن يدرس تاريخ بلاد الشام في العهد العثماني عليه أن يفتح الأرشيف العثماني والمحلي، وهو ما قمنا به نحن الذين درسنا قصبات شرقي الأردن في العهد العثماني، وهنا أشيد بتوجيه أ.د.محمد عدنان البخيت في هذا المحور، ويبدو أننا نجحنا كفريق درس قصبات إربد وعمان والسلط وقضاء عجلون ومعان والكرك في فتح سجلات الدولة العثمانية، أنا شخصياً تخصصت بقراءة سجلات الطابو العثمانية منذ عام 1876 وقراءة سجلات التسوية ودفاتر المالية العثمانية وشاركت الزملاء في توجههم بقراءة سجلات المحاكم الشرعية لقصبات شرقي الأردن. لقد تغير واقع الدراسات التاريخية عندما درسنا ملكية الأرض والضرائب وتوجهنا لقراءة الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من التوجه التقليدي لدراسة الحياة السياسية والعسكرية والإدارية .. درسنا الأرض والإنسان وهما محوران يجعلانا نعرف أنفسنا معرفة مباشرة، والحق أنني غيرت من خط دراستي السابق الذي انصب على فترة صدر الإسلام، وكنت محظوظة لأنني تتلمذت على طيب الذكر الأستاذ الكبير عبد العزيز الدوري الذي يعود إليه الفضل في تعليمنا المنهجي في التاريخ الإسلامي في حين استكمل الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت تدريبنا على منهجية الدراسات العثمانية. وبالتأكيد فإنني فيما قدمته من دراسات تاريخية أستند إلى هذه المنهجية، وأوافقك على أن أبواباً جديدة فتحت في دراسة تاريخ الأردن الحديث مع هذه الدراسات .
 تابعنا تجربتك بنشر حلقات متتابعة في (الرأي) للمذكرات المحلية بعنوان ( أوراق الأجداد ).. وبدايات هذه التجربة كانت في حلقات ( ذاكرة الوطن ) التي قمت بنشرها في (الرأي) من قبل ، وحصلت تجربتك في التوثيق عبر الصحافة على جائزة اليونسكو .. لماذا هذا التوجه ..؟ هل ترين بأن الصحافة وعاء مناسبٌ لنشر الدراسات التاريخية ..؟
يبدو أن (الرأي) قرأت أفكاري التي تلازمني هذه الأيام، فأنا أجد أن ثورة حقيقية حصلت في حياتنا على كل صعيد ، وأننا لا يجب أن نتوقف عند ثوابت ونقبلها، ولا تنسَ أنني أعايش الحياة الأكاديمية وأتابع ما يحدث على أرض الواقع ، علينا أن نعترف بأن الناس لم يعودوا يقرأون كتب التاريخ كما كانوا يفعلون من قبل، غلبتنا الصورة وهذا بالطبع عصر الصورة، غلبنا الوقت، الصحيفة مقروءة أكثر من الكتاب ، أقصد الصحيفة الورقية والإلكترونية، وأنا أكتب التاريخ وأدرسه في الجامعة ، وأيضا أكتب للصحافة، وقد وجدت أن الناس في الأردن يميلون للبحث عن أصولهم وجذورهم ، ويحبون التاريخ ، فوظفت ما بحوزتي من وثائق وصحف قديمة، ووظفت قلمي الذي اعتاد على الخطاب الصحفي لفتح هذا الباب وبدأته بزاوية اشتهرت كثيرا دعوتها ( ذاكرة الوطن ) وبقيت تنشرها (الرأي) لمدة تقارب العامين، وأعتقد أنها كانت تجربة ناجحة تماماً، ثم انتقلت لكتابة زاوية ( أوراق الأجداد ) وتوقفت بسبب مشاغلي الإدارية آنذاك ... اليوم أعود لفتح زاوية أوراق الأجداد بنشر مذكرات مهاجر أردني .. أنا مندهشة من واقع الهجرة الأردنية إلى العالم الجديد في أواخر القرن التاسع عشر، إنها حالة تستحق الدراسة وهذا ما أقدمه الآن ... نعم الصحافة تصلح وعاء ذكياً لنشر التاريخ بهذه الطريقة وتنافس الكتب الأكاديمية بامتياز ..وربما تتساوى مع المحطات الفضائية ...ربما .
 أين موقع القصة القصيرة في أجندتك الثقافية اليوم ..؟ وأين أنت من مقولة موت القصة القصيرة ..؟
لا أذيع سراً عندما أقول إنني أنحاز إلى القصة القصيرة بوصفها فناً ذكياً ومكثفاً وصعباً ، أحس بأنه عصي لا يعطي أسراره لكل الأقلام ، ولهذا أحبه بجنون .. وأحس بأنه يحبني أيضا ويعطيني نبضه ويمنحني المخبوء في أعماقه من مرجان ولؤلؤ وحجارة كريمة، يحابيني .. أعرف هذا، لكنني أهرب أحياناً من سطوته علي إلى غيره ... أجندتي الثقافية والأكاديمية تحتاج إلى أعمار أخرى، و أنا لهذا أخاف من الموت قبل أن أحقق مشاريعي المجنونة ، لا بأس ، على المدى القريب أفكر بنشر مجموعة جديدة لقصصي التي كتبتها بعد إصدار أعمالي الكاملة عام 2006 . أما مقولة موت القصة القصيرة ففي المسألة نظر كما يقول الأزهريون .. علينا أن نعترف أن مد القصة القصيرة في الأردن قد تراجع، ولكن أساطين القصة لا يزالون يقبضون على الجمر، ولا تزال أقلام جديدة تنمو ولو أنها ليست بزخم السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ، وأنا أرى أن مجال انتعاش هذا الفن ممكن جداً مع المواقع الإلكترونية التي تلف الكرة الأرضية وتعطي الفرصة لنشر هذا الفن الجميل الذي يسهل نشره وانتشاره بكل الوسائل الممكنة .. لا وألف لا.. القصة القصيرة لا تموت، تتجدد نعم، تولد من جديد في هذا العصر العجيب نعم، لكنها لا تموت.
 تسلمتِ مواقع إدارية متعددة، عملت عميدة لكلية الآداب والعلوم في جامعة آل البيت ثم مديرة للمكتبة ودار النشر في الجامعة الأردنية، هل يمكن للمبدع أن يكون إدارياً ..؟ لقد حركت تجربتك في إدارة الجامعة الأردنية الواقع الثقافي في الجامعة في تلك الفترة، ماذا تقولين عن هذه التجربة؟
المبدع حالة إنسانية تملك طاقات عجيبة، وأنا أرى أن المقولة التي ترى في المبدع حالة غير قابلة إلا على الكتابة أو الرسم أو الأداء المسرحي تقتل طاقات المبدع الذي يعرف أغوار النفس البشرية وبالتالي يُحسن التعامل معها، وهنا أمـّيز بين الحالة اليومية للمبدع التي يتحول فيها إلى العمل الإداري وبين إنجازه الإبداعي، لكنني أرى أن المبدع هو الأقرب لابتداع علاقات إنسانية طيبة تعرف روح العمل وتحس بنبضات الناس وتشيع الفرح والتعامل الإنساني، لذا فالمبدع حالة إدارية إنسانية ..هذه هي رؤيتي التي حاولت تطبيقها في كل مكان عملت بإدارته .. أقصد الإدارة الإنسانية ولا أدري لماذا يجب على الإداري أن يكون خشناً مقطب الجبين وهو يطبق التعليمات والأنظمة، ولماذا يقبل بالأشياء الجامدة وبما يجده من ميراث قبله .. المبدع في الحياة مبدع في الإدارة ومتجدد يخلق التجدد .. هكذا أرى المسألة ، وهكذا تعاملت مع المواقع التي تسلمتها، عندما عملت عميدة لكلية الآداب والعلوم في جامعة آل البيت اقترحت تقسيم الكلية إلى كليتين: العلوم والآداب، وبمساعدة فريق ممتاز نجحت في ذلك، كان لدي مبررات أقنعت المسؤولين وعملت معهم على تأسيس كلية مستقلة للآداب بمرافقها وكوادرها .. أن تكون مبدعاً في حياتك يعني أن تنقل هذا إلى عملك ولا تمارس عملك الإداري بجمود، أما تجربتي مع مكتبة الجامعة الأردنية فكانت قمة التجلي، لأنني أحس بأن هذه المكتبة بيتي الثاني، البيت الروحي الذي قضيت فيه نصف عمري في مراحل دراستي الثلاث ( بكالوريوس وماجستير ودكتوراه ) بهذه الروح أدرت المكتبة، كانت مشروعاً ثقافياً، لذلك عملت على تغيير البنية المكانية، لأنني كنت أرى أن المكتبة في كل مكان في العالم تقدم الغذاء الروحي، لذا فإن المكان يجب أن يكون جميلاً وحميماً، وتجرأت ومنذ الشهر الأول على هدم الجدران التي تحجز الإدارة عن الناس .. هذا جزء من الشفافية في التعامل، وصار المكان مفتوحاً للضوء والمساحات الجميلة وللعلاقات الطيبة معاً ، ولأن الخشب مادة حية من الأشجار التي أحبها فقد قمنا بتلبيس الجدران الميتة إطارات خشبية جميلة تحمل حالات من الفن، وحوّلنا بهو المكتبة إلى معرض فني دائم يمتع كل من يدخل إلى هذا البناء العريق، وارتبط بهو المكتبة بمعارض الفنون لطلبة كلية الفنون في الجامعة ولفنانين مرموقين مثل ياسر الدويك وكرام النمري وجهاد العامري وعزيز عمورة واستضاف البهو أعمال الفنانات الأردنيات على هامش أعمال المؤتمر الثقافي الخامس مثل سامية الزرو وهند ناصر وأعمال الراحلات حنان آغا ورجاء أبو غزاله .. كما استضاف معارض متميزة مثل ذاكرة المسرح الجامعي ومعارض لصور فوتوغرافية لربيع الأردن لأسماء ملكاوي ومعرض للمخطوطات من جامعة برشتينا .. أما التغييرات الجوهرية فكانت بإعادة هيكلة المكتبة وتغيير المواقع والمسميات تبعاً للتطورات التي شهدتها المكتبة واستحداث منصب مساعد فني ليتابع التطورات في التزويد الإلكتروني، ولأنني أثق بأن لغة الخطاب مع فئة الشباب يجب أن تتناسب مع التطورات التقنية فقد وضعت شاشة الكترونية على مدخل المبني تقدم الإعلانات المضيئة ليلاً ونهاراً حيث تم تمديد دوام المكتبة حتى منتصف الليل، وتم وضع شاشة أخرى الكترونية داخلية تقدم الخدمات كاملة للمستخدمين، والأهم من هذا كله تم استحداث قاعة للمؤتمرات والاجتماعات بثمانين كرسياً ونظام صوتي متكامل وبدأت الجامعة تستخدم القاعة في مناسباتها وتبنت المكتبة عقد ندوات لتكريم الراحل كامل العسلي مدير المكتبة الأسبق وندوة أخرى كبيرة بحضور السفير التركي وأعضاء السفارة بمناسبة مرور قرن على تأسيس الخط الحديدي الحجازي وثالثة بمرور أكثر من قرن على وفاة المبدع الروسي جوجول وندوة احتفالية بتجربة كرام النمري وغيرها من المناسبات الثقافية .. لقد تحولت المكتبة إلى مشروع ثقافي لرابطة الكتاب والفنانين, وهذا أمر متوقع لأنني من هذا الوسط ، ولأنني أرى في إدارة المكتبة مشروعاً يحوّلها من مستودع كتب إلى حالة ثقافية متجددة, وبالتأكيد فقد كان لاختيار رئيس الجامعة آنذاك د.خالد الكركي لكاتبة تكتب التاريخ أيضاً دلالاته، وأنا فهمت هذا التوجه لديه، وأظنها تجربة ناجحة جدا .. ومن أكثر التغييرات أثراً على خط سير المكتبة البدء بمشروع أرشفة الصحافة ووضعها على موقع المكتبة .. إنها ثورة حقيقية تحققت للمكتبة ونقلت البحث نحو عالم القرن الحادي والعشرين وهو ما أعتز به بكل ما في الكلمة من معنى .. الآن كل من يزور المكتبة يتذكرني في كل ما استحدثت، وأنا بالمقابل أستذكر هذه التجربة بكل تقدير ومحبة وأقدر إتاحة هذه الفرصة لي لتأكيد مقولتي بأن المبدع إداري ناجح، وبقدر ما يكون التغيير تكون هناك قوى الشد والتمسك بالقديم .. لكنني ما أزال حاضرة هناك بمشروعي الجميل، وما تزال النباتات التي وضعتها بيدي في مواقعها تذكـّر بالتجدد ... لقد ذهبت بنفسي إلى المشتل واخترتها لتجعل المكان بهياً وأخضر، وآمل أن يبقى دائما هكذا .
 كنت مسؤولة عن إنشاء دار نشر الجامعة الأردنية وكان الوسط الثقافي ينتظر هذا الإنجاز .. لماذا توقف وما هو دورك فيه ..؟
دار النشر مشروع كبير بدأنا به ، وقدمنا كل ما يمهد لتحقيقه، وقد حصلنا على الرخصة الرسمية باسمي، وقدمت اللجنة التحضيرية كل التعليمات الناظمة وبدوري قمت بتحويل وتحضير المكان إدارياً داخل مبنى المكتبة وأشرفت على تصنيع أثاث الدار .. وخاطبت كل الكليات لتسليمنا المخطوطات وبالفعل تسلمت بعضها .. كل ما كان مطلوباً مني قدمته، لكن عودتي إلى جامعة آل البيت جعلتني خارج المشروع ولا أعرف إن كان توقف أم لا . وأتمنى أن يتحقق على أرض الواقع فهو مشروع وطني كبير، وكان طموحاً جميلاً ، ولكن علينا أن نتذكر أنه مشروع تجاري منافس في سوق النشر ويحتاج إلى موازنة ضخمة وطاقات فنية متطورة ... البدايات والأسس موجودة وأتمنى أن نراه واقعاً.
 ما الجديد لديك الآن ..؟ المزيد من كتب التاريخ أم القصص أم ماذا ..؟ وهل تخططين للانتقال إلى شكل جديد ..؟
لدي كتاب جديد سيرى النور قريباً، لقد أفدت من اطلاعي على الأرشيف الصحفي المتميز في مركز الوثائق والمخطوطات في الجامعة الأردنية وفي مكتبة الجامعة بجمع ونشر كل ما كتبته المرأة العربية في القرن التاسع عشر وكل ما أسهمت به من مقالات ومؤتمرات، هذا الكتاب الذي ستنشره الدائرة الثقافية لأمانة عمان الكبرى سيغير السائد عن صورة المرأة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي ... وأنا سعيدة جداً بنشره لأنه سيضع النقاط على الحروف ويغير من الأحكام السطحية السائدة عن حال المرأة الفكري والثقافي آنذاك .. إنه كتاب نوعي تعبت بجمعه ودراسته، وأنا سعيدة بتقديمه لقراء العربية وللدارسين .