
عمان- لكل فرحة طقوسها المختلفة، وللعروس في فرحها بهجة يصعب التعبير عنها لدى الكثيرات منهن، ومع فرحة الأهل بقرب زواج الابنة، وسعادتهم لرؤيتها تفتح أبواب الاستقرار، إلا أن الأيام الأخيرة في منزل الأهل بالنسبة للعروس حميمية أكثر من الأيام العادية.
يصعب على سلمى (25 عاما) التي ستتزوج نهاية الشهر الحالي مودّعةً سريرها ومكتبتها وخزانتها لبيت آخر، أن تصف وضعها، مشيرة إلى أنها تحاول قدر الإمكان إخفاء دموع الحنين لبيتها وأهلها لأجل فرحة العرس.
وتبدي بعض القلق من مغادرة منزل ذويها الذي تربت وعاشت سنواتها فيه "برمشة عين"، وفق قولها، مؤكدة أنه من الصعب أن يرحل الفرد من مكان عاش فيه طويلا، واعتاد على طريقة عيشه إلى مكان آخر.
ويجتاح الاشتياق مشاعر سلمى عند شعورها بقرب موعد الزفاف، والذي لم يتبق له سوى أيام، معتبرة أن أكثر ما ستشتاق إليه هو أهلها، وتفاصيل يصعب بنظرها التعبير عنها، إلا أن سنن الحياة تقتضي على الفرد أن يتعايش مع ظروفه والتغيرات التي تطرأ عليه.
أما الخمسينية أم عبد الرحمن، فتعمد منذ أيام على ترتيب وتجهيز ما ستأخذه ابنتها من أغراضها إلى بيت زوجها، وتضيف أنها تشعر بالحنين منذ اللحظات التي بدأت فيها بتوضيب غرفة ابنتها، التي ستغادر المنزل بعد أسابيع قليلة إلى بيت زوجها.
وتشير إلى أن ابنتها كلما رأتها توضب أغراض الغرفة والملابس التي ستأخذها إلى بيت الزوج تغمرها الدموع، إلا أن الفرحة لا بد وأن يكون لها ثمن، وفق أم عبد الرحمن، التي تتمنى السعادة لابنتها في بيتها الجديد.
وفي فصل الصيف، تكثر مناسبات الخطوبة والزواج، والشهر المقبل بالنسبة لرجاء (26 عاما) يصادف حفل العرس الذي ستتوج به كعروس، مما بدأ يسبب القلق لها، خصوصا وأنه يعزّ عليها فراق والدتها التي تعيش معها بمفردها.
وتقول رجاء "أعيش مع والدتي منذ ستة أعوام وحدنا، بعد زواج شقيقي وشقيقتي الكبرى، ومغادرة والدي لنا منذ سنوات طويلة"، موضحة أنها تستصعب فكرة ترك والدتها وحدها، ومتخوفة من لحظة الانتقال إلى منزل جديد، وحنينها الدائم لمنزل الأهل.
وتضيف رجاء؛ أنه ورغم قرب منزلها الجديد من منزل والدتها، إلا أنها ستحن إلى الكثير من الليالي والأيام التي قضتها بجانب والدتها، التي باركت لها الزواج ولم تبد حرجا من الدموع منذ بداية شعورها بقرب زواج ابنتها.
وتصف رجاء مغادرة منزل الأهل بأنها صعبة للغاية، خصوصا على الفتيات اللواتي عشن الكثير من الأيام واللحظات السعيدة والحزينة في المنزل، مؤكدة أنه من الصعب أن يترك الفرد جزءا كبيرا من حياته وذكرياته.
"في الأعراس، بإمكانك أن تستجيب لاشعوريا لحالة الفرح التي يظهرها الحاضرون فتؤدي واجبا والتزاما اجتماعيا وتشعر بشيء من السعادة"، هذا ما تقوله الأربعينية أم محمد التي لا تنسى أنها ظلت حوالي أسبوع غير متأقلمة مع غياب ابنتها بسبب زواجها وسفرها خارج البلاد.
وتلفت أم محمد إلى أن ابنتها قضت آخر الأيام قبل زفافها وهي تبكي، كلما شعرت أنها ستغادر المنزل "وظلت توصينا على أنفسنا"، مشيرة إلى "أنها ما تزال تشعر بالحنين إلى غرفتها وإلى أجواء المنزل كلما اتصلت للاطمئنان علينا".
وتشير إلى أنه لا بد للفتاة أن تتزوج في نهاية المطاف، ومهما طال بها العيش في منزل أهلها، لا شك أنه سيكون لديها منزل جديد وتكوّن عائلة، وهذا الحنين إلى بيت الأهل، وفق أم محمد، طبيعي، وتمر به أغلب الفتيات قبل موعد العرس.
وعن نفسها، فقد عايشت أم محمد التجربة ثلاث مرات، كان أصعبها زواج ابنتها ندى، التي سافرت خارج حدود الوطن لتعيش في الولايات المتحدة الأميركية.
بينما يعتقد الثلاثيني غسان عبدالله أن الأمر يختلف عند الشباب كونهم يقضون بطبيعة الحال معظم أيامهم مع الأصدقاء خارج بيت الأهل، إلا أنه يستوعب حنين الفتاة الدائم إلى بيت عائلتها.
ويضيف غسان أن زوجته في أول أسبوع لها في المنزل كانت بين الحين والآخر تتذكر بيت عائلتها، وتظل تذرف دموع الحنين إلى مكانها وبيتها وغرفتها، إلا أن الوقت كفيل بأن يشعر المرأة أن بيتها الحالي هو بمثابة عائلة جديدة لها.
الاستشاري الأسري والتربوي الدكتور محمد أبو السعود، يبيّن أن هذه اللحظات يجب أن تعامل بشكل مدروس من قبل الأهل، كي تكون الفتاة في يوم عرسها سعيدة وبنفسية جيدة، وهي مواقف جميلة وصعبة، لكنها أمر مفروغ منه.
ويلفت أبو السعود إلى أنه على الأهل أن يكثروا من كلمات الرضا والدعاء والتوفيق للفتاة، ليخففوا عنها حدة صعوبة الموقف لمغادرتها بيت أهلها، موضحا أنه كثيرا ما يمر الأهل بحالات غياب أبنائهم، إما للدراسة أو للعمل بالخارج أو الزواج، ومن هذا القبيل على مختلف الأطراف أن يكونوا أكثر واقعية في تجاوبهم مع المواضيع، وألا يؤثر الحنين على نفسياتهم في بداية جديدة وجميلة.
من جانبه، يؤكد دكتور علم النفس في جامعة العلوم الإسلامية حسين المجالي، أن الموقف لا بد أن يكون صعبا على الفتاة مهما كانت الفرحة، فهي تغادر بيت الأهل والذكريات ومراحل الطفولة والصبا، وستشعر بحنين فائض، بالإضافة إلى شعورها برهبة تحمل مسؤولية منزل جديد وتكوينها لعائلة.
ولا شك أن الفتاة، وفق المجالي، تبقى على حنين دائم للأهل، يخفت بعد فترة من شعورها بالاستقرار، لكنه لا يؤثر ولا يشكل أثرا نفسيا كبيرا، بل هي حالة وسمة يتم تجاوزها بسهولة بعد أن تتم الزيارات بين الطرفين.
sawsan.moukhall@alghad.jo