نعم لاتفاقية «سيداو»

Printer Friendly, PDF & Email
image

قرار الحكومة رفع التحفظات عن اتفاقية إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة والمعروفة اختصارا باتفاقية سيداو ونشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية هو قرار في الطريق الصحيح وينبغي تشجيعه ودعمه من قبل كافة المؤمنين بمفاهيم حقوق الإنسان بدون انتقائية. من المهم التأكيد هنا بأن هذا القرار وطني بحت ، وقد تم طرحه في الأجندة الوطنية وتوصيات كلنا الأردن وفي توصيات كافة تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان ، وما حدث في السابق كان مماطلة وتعطيلا انتهت الآن. الأردن أصبح الدولة العربية الثانية التي ترفع التحفظات عن الاتفاقية بعد المغرب ، وليس من قبيل الصدفة ابدا أن البلدين يتميزان بنظام ملكي دستوري يتمتع ببعد النظر والحداثة وحققا الريادة في هذا المجال. المادة 6 من الدستور الأردني والمتعلقة بالمساواة الكاملة بين المواطنين تطابق المادة الأولى من اتفاقية سيداو.

التحفظات التي سحبتها الحكومة هي اثنان بشكل أساسي. التحفظ الأول هو على الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الاتفاقية والتي تنص على أنه (تمنح الدول الاطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما) وذلك لأسباب أكثر قربا إلى السياسة والحل النهائي للقضية الفلسطينية منها إلى حقوق المرأة. وكذلك تحفظت الحكومة على المادة (15) من الاتفاقية والمتعلقة بالمساواة في الاهلية القانونية والمدنية. الفقرة 4 والتي تنص على انه تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيارهم محل سكناهم وإقامتهم.

الاتفاقية لا تساهم بأي شكل من الأشكال في التفكك الأسري ولا في الانحلال والجريمة كما يشيع البعض ، فهي إطار قيمي وتشريعي لحفظ حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في الأدوار الاجتماعية. الاتفاقية قائمة على مناقشات مستفيضة في الأمم المتحدة وتعمل على التوافق بين ثقافات عديدة في العالم وليست مفهوما غربيا بحتا. من رأت من هذه الدول أن الاتفاقية تعارض ثقافتها يمكن أن ترفض التوقيع عليها منذ البداية ولكن أن يتم التوقيع لأغراض الديكور التحديثي أمام الخارج ويتم تجاهلها في الداخل فليس قرارا حكيما.

عودة إلى اسطورة الانحلال والانحراف بسبب الاتفاقية. هذه الفكرة تنطلق من نظرية خاطئة مفادها أن المرأة هي سبب الانحراف الأخلاقي وأن الوسيلة الأفضل للوقاية هي الحد من تحركها ، ولكن الواقع يقول أنه منذ فجر البشرية فإن سوق الانحلال الخلقي كانت مفتوحة من قبل الرجال ومن أجل فائدة الرجال ودور النساء هو فقط أدوات في هذه السوق. لا أعتقد أن إمرأة واحدة تختار لحياتها درب الانحراف بدون أن يكون هناك ضغط في أغلب الأحيان من الرجال الذين يسيئون معاملتها وتضطر إلى خوض هذا الدرب الشائك. إذا أردنا منع الإنحراف والانحلال فالحل ليس في مهاجمة اتفاقيات حقوق الإنسان بل في المطالبة بمنع إنشاء الملاهي الليلية وأوكار الانحلال.

وعلى كل حال فإن لمعارضي اتفاقية سيداو ألا يشعروا بالكثير من القلق. أن التمييز ضد المرأة لن تعالجه اتفاقية مثل هذه لأنه مزروع في ثنايا ثقافية اجتماعية راسخة تاريخيا ولن يتم التخلي أبدا عن هذه الثقافة بسهولة حتى لو تم توقيع مليون اتفاقية سيداو. وبالإضافة إلى ذلك فإنني لا أتخيل باي شكل من الأشكال أن تمر هذه الاتفاقية في مجلس النواب الحالي ، ولن تجرؤ إلا نسبة قليلة من النواب على إبداء الموافقة العلنية.

بذلت الكثير من منظمات حقوق الإنسان والنشطاء في العمل العام في الأردن جهودا مضنية من أجل الوصول إلى قرار سحب التحفظات على الاتفاقية ونشرها في الجريدة الرسمية ولكن التحدي الحقيقي هو في نشر القيم الحقيقية لهذه الاتفاقية في الثقافة السائدة ، وهي مسألة أصعب بكثير من إقناع الحكومة،.